كل نصيحة بثمن
يحكى أن أحدهم ضاقت به سبل العيش ، فسئم الحياة وقرر أن يهيم على وجهه في بلاد الله الواسعه ، فترك
بيته وأهله وغادر المنطقة متجها نحو الشرق ، وسار طويلا حتى صول بعد جهد كبير ومشقة عظيمة الى
منطقة شرقي السعودية، وقادته الخطى الى بيت أحد الأجوادالذي رحب به وأكرم وفادته ، وبعد انقضاء أيام
الضيافة سأله عن غايته ، فأخبره بها
فقال له المضيف : ما رأيك أن تعمل عندي على أن أعطيك ما يرضيك ، ولما كان صاحبنا بحاجة إلى مكان
يأوي إليه ، وإلى عمل يعمل فيه اتفق معه على ذلك ، وعمل الرجل عند مضيفه أحيانا يرعى الإبل وأحيانا
أخرى يعمل في مضافته يعد القهوة ويقدمها للضيوف ، ودام على ذلك الحال عدة سنوات كان الشيخ يكافئه
خلالها ببعض الإبل والماشية
ومضت عدة سنوات أشتاق فيها الرجل لبيته وعائلته وتاقت نفسُه إلى بلاده وإلى رؤية أهله وأبنائه ، فأخبر
صاحب البيت عن نيته في العودة إلى بلده ، فعزَ عليه فراقه لصدقه وأمانته، وأعطاه الكثير من المواشي وبعض
الإبل وودَعه وتمنى له أن يصل إلى أهله وهو بخير وسلامة ، وسار الرجل ، وبعد أن قطع مسافة طويلة
في الصحراء القاحلة رأى شيخا جالسا على قارعة الطريق ، ليس عنده شيء سوى خيمة منصوبة بجانب
الطريق ن وعندما وصل اليه حياه وسأله ماذا تعمل لوحدك في هذا المكان الخالي وتحت حر الشمس وهجير
الصحراء ؟
فقال له : أنا أعمل في التجارة ، فعجب الرجل وقال له : وما هي تجارتك يا هذا ، وأين بضاعتك ؟
فقال له الشيخ : أنا أبيع نصائح ، فقال الرجل : تبيع نصائح وبكم النصيحة ؟ فقال الشيخ : كل نصيحة
ببعير ، فأطرق الرجل مفكرا في النصيحة وفي ثمنها الباهظ الذي عمل طويلا من أجل الحصول عليه، ولكنه
في النهاية قرر أن يشتري نصيحة مهما كلفه الامر فقال له : هات لي نصيحة ، وسأعطيك بعيرا ؟
فقال له الشيخ : إذا طلع سهيل لا تأمن للسيل " ففكر الرجل في هذه النصيحة وقال : مالي ولسهيل في هذه
الصحراء الموحشة ، وماذاتنفعني هذه النصيحة في هذا الوقت بالذات وعندما وجد أنها لا تنفعه قال للشيخ
هات لي نصيحة أخرى وسأعطيك بعيرا أخر ، فقال له الشيخ : أبو عيون برق وأسنان فرق لا تأمن له
وتأمل صاحبنا هذه النصيحة أيضا وأدارها في فكرهولم يجد بها أي فائدة ، فقال والله لاغامر حتى النهاية
حتى لو ضاع تعبي كله في دقائق معدودة ، فقال للشيخ هات النصيحة الثالثة وسأعطيك بعيرا اّخر
فقال له : نام على الندم ولا تنام على الدم
ولم تكن النصيحة الثالثة بأفضل من سابقتيها ، فترك الرجل ذلك الشيخ وساق ما معه من مواشي وسار في
طريقه وظل يسير لعدة أيام نسي خلالها النصائح من كثرة التعب وشدة الحر ، وفي أحدالأيام أدركه المساء
فوصل إلى قوم قد نصبواخيامهم ومضاربهم في قاع وادٍ كبير ، فتعشى عند أحدهم وبأت عنده ، وفي الليل
وبينما كان ساهرا يتأمل النجوم شاهد نجم سهيل ، وعندما رآه الرجل تذكر النصيحة التي قالها له الشيخ
ففر مذعورا ، وأيقظ صاحب البيت وأخبره بقصة النصيحة، وطلب منه أن يخبر قومه حتى يخرجوا من
قاع ذلك الوادي ، لكن المضيف سخر منه ومن قلة عقله ولم يكترث له ولم يأبه لكلامه ، فقال والله لقد اشتريت
النصيحة ببعير ولن أنام في قاع هذا الوادي ، فقرر أن يبيت على مكان مرتفع ، فأخذ جاعِدهُ ونام على مكان
مرتفع بجانب الوادي ، وفي أواخر الليل جاء السيل يهدر كالرعد فأخذ البيوت والقوم ، ولم يبق سوى بعض
المواشي
وساق الرجل ما تبقى من المواشي وأضافها إلى مواشيه ، وصاح لها مناديافتبعته وسار في طريقه عدة أيام
أخر حتى وصل في أحد الأيام الى بيت في الصحراء ، فرحب به صاحب البيت وكان رجلا نحيفا خفيف
الحركه ، وأخذ يزيد في الترحيب به والتذبذب إليه حتى أوجس منه خيفة ، فنظر إليه واذا به ، ذو عيون
برق وأسنان فرق فقال : آه هذا الذي أوصاني عنه الشيخ ، إن به نفس المواصفات لا ينقص منها شيء
وفي الليل تظاهر الرجل بأنه يريد أن يبيت خارج البيت قريبا من مواشيه وأغنامه ، وأخذ فراشه وجره
في ناحية ،ولكنه وضع حجارة تحت اللحاف ، وانتحى مكانا غير بعيد يراقب منه حركات مضيفه، وبعد
أن أيقن المضيف أن ضيفه قد نام ، خاصة بعد أن لم ير حراكا له ،، أخذ يقترب منه على رؤوس أصابعه
حتى وصله ولما لم يسمع منه أية حركة تأكد له أنه نائم بالفعل ، فعاد وأخذ سيفه وتقدم منه ببطء ثم هوى
عليه بسيفه بضربه شديدة ، ولكن الضيف كان يقف وراءه فقال له ، لقد اشتريت والله النصيحة ببعير ثم
ضربه بسيفه فقتله ، وساق ماشيته وغاب في أعماق الصحراء
وبعد مسيرة عدة أيام وصل في ساعات الليل الى منطقة أهله، فوجد مضارب قومه على حالها، فترك
ماشيته خارج الحَي ، وسار ناحية بيته ورفع الرواق ودخل البيت فوجد زوجته نائمة وبجانبها شاب
طويل الشعر، فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه وأراد أن يهوي به على رؤوس الاثنين ، وفجأة
تذكر النصيحة الثالثة التي تقول " نام على الندم ولا تنام على الدم " فبردت أعصابه وهدأ قليلا فتركهم
على حالهم وخرج من البيت وعاد الى اغنامه ونام عندها
تحياتي